للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه؛ لأن الثواب لا يكون إلا بالنية، فكانت النية شرطًا في كون هذا الترك عبادة. ولا يختص ذلك بالصوم، بل كلُّ تركٍ لا يكون عبادة ولا يثاب عليه إلا بالنية، ومع ذلك فلو فعله ناسيًا لم يأثم به. فإذا نوى تركَها لله، ثم فعَلَها ناسيًا لم يقدح نسيانه في أجره، بل يثاب على قصدِ تركها لله، ولا يأثم بفعلها ناسيًا. وكذلك الصوم.

وأيضًا فإن فعل الناسي غير مضاف إليه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أكل أو شرب ناسيًا فَلْيُتِمَّ صومَه، فإنما أطعمه الله وسقاه» (١). فأضاف فعله ناسيًا إلى الله، لكونه لم يُرِده ولم يتعمَّده. وما يكون مضافًا إلى الله لم يدخل تحت قدرة العبد، ولم (٢) يكلَّف به؛ فإنه إنما يكلَّف بفعله، لا بما يفعل فيه. ففعلُ الناسي كفعل النائم والمجنون والصغير.

وكذلك لو احتلم الصائم [٢٦٤/ب] في منامه، أو ذَرَعه القيءُ في اليقظة، لم يفطر. ولو استدعى ذلك أفطر به. فلو كان ما يوجد بغير قصده، كما يوجد بقصده، لأفطر بهذا وهذا.

فإن قيل: فأنتم تفطِّرون المخطئ، كمن أكل يظنُّه ليلًا فبانَ نهارًا.

قيل: هذا فيه نزاع معروف بين السلف والخلف، والذين فرَّقوا بينهما قالوا: فعلُ المخطئ يمكن الاحتراز منه، بخلاف الناسي. ونُقِل عن بعض السلف أنه يفطر في مسألة الغروب، دون مسألة الطلوع كما لو استمر الشك.

قال شيخنا (٣): وحجة من قال: لا يفطر في الجميع أقوى، ودلالة


(١) أخرجه البخاري (١٩٣٣) ومسلم (١١٥٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) في النسخ المطبوعة: «فلم».
(٣) انظر: «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٥٧٢)، ولفظه فيه: «والذين قالوا لا يفطر في الجميع قالوا: حجتنا أقوى، ودلالة الكتاب والسنة على قولنا أظهر».