للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي يتحوَّل به فاعله من حال إلى حال، ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصَّل بها الرجل إلى حصول غرضه، بحيث لا يتفطَّن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة؛ فهذا أخص من موضوعها في أصل اللغة، وسواء كان المقصود أمرًا جائزًا أو محرمًا، وأخصُّ من هذا استعمالها في التوصل إلى الغرض الممنوع منه شرعًا أو عقلًا أو عادةً، وهذا هو الغالب عليها في عرف الناس؛ فإنهم يقولون: فلان من أرباب الحيل، ولا تعاملوه فإنه يتحيَّل، وفلان يعلِّم الناسَ الحيلَ، وهذا من استعمال المطلق في بعض أنواعه كالدابة والحيوان وغيرهما.

وإذا قُسِّمت باعتبارها لغة انقسمت إلى الأحكام الخمسة؛ فإن مباشرة الأسباب الواجبة (١) حيلة على حصول مسبباتها؛ فالأكل والشرب واللبس والسفر الواجب حيلة على المقصود منه، والعقود الشرعية واجبها ومستحبها ومباحها كلها حيلة على حصول المعقود عليه، والأسباب المحرَّمة كلها حيلة على حصول مقاصدها منها، وليس كلامنا في الحيلة بهذا الاعتبار العام الذي هو مورد التقسيم إلى مباح ومحظور؛ فالحيلة جنس تحته التوصُّل إلى فعل الواجب، وترك المحرم، وتخليص الحق، ونصر المظلوم، وقهر الظالم، وعقوبة المعتدي، وتحته التوصُّل إلى استحلال المحرَّم، وإبطال الحقوق، وإسقاط الواجبات. ولما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلُّوا محارمَ الله بأدنى الحيل» (٢) غلب استعمال الحيل في عرف الفقهاء على النوع المذموم. وكما يذمُّ الناس


(١) ز: «الواجب».
(٢) تقدم.