للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أربابَ الحيل فهم يذمُّون أيضًا (١) العاجز الذي لا حيلةَ عنده لعجزه وجهله بطرق تحصيل مصالحه، فالأول ماكر مخادعٌ، والثاني عاجز مفرِّط، والممدوح غيرهما، وهو من له خبرة بطرق الخير والشر خفيِّها وظاهرِها، فيُحسِن التوصّلَ إلى مقاصده المحمودة التي يحبُّها الله ورسوله بأنواع الحيل، ويعرف طرق الشر الظاهرة والخفية التي يُتوصَّل بها إلى خداعه والمكر به فيحترز منها أو لا يفعلها ولا يدلُّ عليها.

وهذه كانت حال سادات الصحابة - رضي الله عنهم -، فإنهم كانوا أبرَّ الناس قلوبًا، وأعلمَ الخلق بطرق الشر ووجوه الخداع، وأتقى لله من أن يرتكبوا منها شيئًا أو يدخلوه في الدين، كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: لست بخِبٍّ ولا يخدعني الخِبُّ (٢). وكان حذيفة أعلم الناس بالشر والفتن، وكان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكان هو يسأله عن الشر (٣).

والقلب السليم ليس هو الجاهل بالشرّ الذي لا يعرفه، بل الذي يعرفه


(١) د: «أيضًا يذمون».
(٢) لم أجده مسندًا عن عمر، وقد عزاه إليه ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (١٠/ ٣٠٢) والمصنف في «الروح» (٢/ ٦٨٣). وهو مرويٌّ عن إياس بن معاوية، رواه ابن قتيبة في «عيون الأخبار» (١/ ٣٩٤) ووكيع في «أخبار القضاة» (١/ ٣٤٨) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (١٠/ ١٩) والمزي في «تهذيب الكمال» (٣/ ٤١٨)، ولفظ وكيع: «لست بخِبٍّ، والخِبُّ لا يخدعني، ولا يخدع ابنَ سيرين، ويخدع الحسن، ويخدع أبا معاوية بن قرة، ويخدع عمر بن عبد العزيز». وانظر: «البيان والتبيين» (١/ ١٠١) و «الحيوان» (٢/ ٢٧٩) و «العقد الفريد» (٣/ ١١) و «تاريخ الإسلام» للذهبي (٨/ ٤٢ (.
(٣) كما في الحديث الذي رواه البخاري (٣٦٠٦، ٧٠٨٤) ومسلم (١٨٤٧) عن حذيفة.