للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المثال الخامس والأربعون: إذا وقف وقفًا وجعل النظر فيه لنفسه مدةَ حياته ثم من (١) بعدِه لغيره، صح ذلك عند الجمهور، وهو اتفاق من الصحابة؛ فإن عمر - رضي الله عنه - كان يلي صدقته، وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أشار على عمر بوقف أرضه (٢) لم يقل له (٣) لا يصح ذلك حتى تُخرِجها عن يدك ولا تَلِي نظَرَها، وأيُّ غرضٍ للشارع في ذلك؟ وأيُّ مصلحةٍ للواقف أو الموقوف عليه؟ بل المصلحة خلاف ذلك؛ لأنه أخبرُ بماله، وأقومُ بعمارته ومصالحه وحفظه من الغريب الذي ليست خِبرته وشفقته كخبرة صاحبه [١٢٣/أ] وشفقته، ويكفي في صحة الوقف إخراجه عن ملكه، وثبوت نظره ويده عليه كثبوت نظر الأجنبي ويده، ولا سيما إن كان متبرعًا، فأيُّ مصلحةٍ في أن يقال له: «لا يصح وقفُك حتى تجعله في يدِ من لستَ (٤) على ثقةٍ من حفظه والقيامِ بمصالحه وإخراجِ نظرك عنه؟».

فإن قيل: إخراجه لله يقتضي رفْعَ يده عنه بالكلية كالعتق.

قيل: بالعتق خرج العبد عن أن يكون مالًا، وصار محرَّمًا (٥) محضًا، فلا تثبت عليه يدُ أحدٍ. وأما الوقف فإنه لا بدَّ من ثبوت اليد عليه لحفظه والقيام


(١) «من» ليست في ك.
(٢) رواه البخاري (٢٧٣٧) ومسلم (١٦٣٢) من حديث ابن عمر.
(٣) «له» ليست في ك.
(٤) ك: «ليست»، تحريف.
(٥) كذا في النسخ، وهو صحيح. وفي المطبوع: «محررًا».