للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العصمة للناس وقِوام العالم، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله سبحانه خرابَ الدنيا وطيَّ العالم رفع إليه ما بقي من رسومها. فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم، وقطب رَحَى الفلاحِ والسعادة في الدنيا والآخرة.

ونحن نذكر تفصيل ما أجملناه في هذا الفصل بحول الله وتوفيقه ومعونته بأمثلة صحيحة:

المثال الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرع لأمته إيجابًا إنكارَ المنكر (١) ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكرُ منه وأبغضُ إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يُبغِضه ويمقُت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتال الأمراء الذين يؤخّرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلُهم؟ فقال: «لا، ما أقاموا الصلاة» (٢). وقال: «من رأى من أميره ما يكرهه فليصبرْ، ولا ينزِعنَّ يدًا من طاعته» (٣).


(١) رواه مسلم (٤٩) من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -.
(٢) جعل ابن القيم هذين الحديثين حديثًا واحدًا، وليس كذلك؛ فإن الشطر الأول عند مسلم (٥٣٤) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، والشطر الثاني عنده (١٨٥٤) من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -.
(٣) رواه البخاري (٧٠٥٣) ومسلم (١٨٤٩) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وتمامه: «فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية» وليس فيه: «ولا ينزعن يدًا من طاعته». وهو جزء من حديث عوف بن مالك الأشجعي الذي رواه مسلم (١٨٥٥)، ولفظه: «ألا من ولي على والٍ، فرآه يأتي شيئًا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعنّ يدًا من طاعة».