للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما سبق اللسان بما لم يُرِدْه المتكلم فهو دائر بين الخطأ في اللفظ والخطأ في القصد؛ فهو أولى أن لا يؤاخَذَ به من لغو اليمين، وقد نصّ الأئمة على مسائل من ذلك تقدَّم ذكر بعضها.

وأما الإغلاق فقد نصّ عليه صاحب [٣٦/ب] الشرع، والواجب حمل كلامه فيه على عمومه اللفظي والمعنوي؛ فكل من أُغلِق عليه باب قصده وعلمه كالمجنون والسكران والمكره والغضبان فقد تكلم في الإغلاق، ومن فسَّره بالجنون أو بالسُّكر أو بالغضب أو بالإكراه فإنما قصد التمثيل لا التخصيص، ولو قدِّر أن اللفظ يختص بنوع من هذه الأنواع لوجب تعميم الحكم بعموم العلة؛ فإن الحكم إذا ثبت لعلةٍ تعدَّى بتعدِّيها وانتفى بانتفائها.

فصل

فإذا تمهَّدت هذه القاعدة فنقول: الألفاظ بالنسبة إلى مقاصد المتكلمين ونيّاتهم وإراداتهم لمعانيها ثلاثة أقسام:

أحدها: أن تظهر مطابقة القصد للّفظ، وللظهور مراتب تنتهي إلى اليقين والقطع بمراد المتكلم، بحسب الكلام في نفسه وما يقترن به من القرائن الحالية واللفظية وحال المتكلم به وغير ذلك، كما إذا سمع العاقل العارف باللغة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم ستَرَون ربكم عِيانًا، كما ترون القمر ليلةَ البدر ليس دونه سحابٌ، وكما ترون الشمس في الظهيرة صَحْوًا ليس دونها سحاب، لا تُضارُّون في رؤيته إلا كما تُضَارُّون في رؤيتها» (١)، فإنه لا يستريب ولا يشك


(١) رواه البخاري (٤٥٨١) ومسلم (١٨٣) من حديث أبي سعيد الخدري، ورواه البخاري مختصرًا (٧٤٣٥) ومسلم (٦٣٣) من حديث جرير. وفي الباب عن غيرهما من الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين.