للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصحيح هو القول الآخر، فموافقته للقياس والحكمة والمصلحة ظاهرٌ جدًّا، فإن العاريَّة من مصالح بني آدم التي لا بد لهم منها، ولا غنى لهم عنها. وهي واجبة عند حاجة المستعير وضرورته إليها إما بأجرة أو مجانًا. ولا يمكن المعيرَ كلَّ وقت أن [٢٨٤/ب] يُشْهِد على العارية، ولا يمكن الاحتراز بمنع العارية شرعًا وعادةً وعرفًا. ولا فرق في المعنى بين من توصَّل إلى أخذ متاع غيره بالسرقة، وبين من توصَّل إليه بالعارية وجحدها. وهذا بخلاف جاحد الوديعة، فإن صاحب المتاع فرَّط حيث ائتمنه.

فصل

وأما قطعُ اليد في ربع دينار، وجعلُ ديتها خمسمائة دينار؛ فمن أعظم المصالح والحكمة، فإنه احتاط (١) في الموضعين للأموال والأطراف. فقطَعَها في ربع دينار حفظًا للأموال، وجعَلَ ديتها خمسمائة دينار حفظًا لها وصيانةً. وقد أورد بعضُ الزنادقة هذا السؤال، وضمَّنه بيتين، فقال (٢):

يدٌ بخمس مِئٍ من عسجدٍ وُدِيت ... ما بالُها قُطِعت في ربع دينار (٣)

تناقضٌ ما لنا إلا السكوت له ... ونستجير بمولانا من العار (٤)

فأجابه بعض الفقهاء بأنها كانت ثمينة لما كانت أمينة، فلما خانت


(١) في المطبوع: «احتياط».
(٢) ينسب البيتان إلى أبي العلاء. انظر: «شرح اللزوميات» (٢/ ٢٠٣).
(٣) هذا البيت في «شرح اللزوميات» متأخر على تاليه. ومِئٌ: جمع مائة. وفي الشرح: «بخمس مئينٍ عسجد».
(٤) كذا في النسخ الخطية والمطبوعة. وفي الشرح: «من النار»، وهو المشهور.