للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المثال الثامن عشر: ردُّ المحكم الصريح في اشتراط النية لعبادة الوضوء والغسل كما في قوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥] وقوله: «وإنما لامرئٍ ما نَوى» (١)، وهذا لم ينوِ رفع الحدث فلا يكون له بالنص؛ فرُدَّ هذا بالمتشابه من قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] ولم يأمر بالنية، قالوا: فلو أوجبناها بالسنة لكان زيادةً على نصّ القرآن فيكون نسخًا، والسنة لا تنسخ القرآن؛ فهذه ثلاث مقدمات:

إحداها (٢): أن القرآن لم يوجب النية.

الثانية (٣): أن إيجاب السنة لها نسخٌ للقرآن.

الثالثة: أن نسخ القرآن بالسنة لا يجوز.

وبنوا على هذه المقدمات إسقاط كثير مما صرَّحت السنة بإيجابه، كقراءة الفاتحة والطمأنينة وتعيين التكبير للدخول في الصلاة والتسليم للخروج منها.

ولا يُتصوَّر صدق المقدمات الثلاث (٤) في موضع واحد أصلًا، بل إما أن تكون كاذبةً أو بعضها؛ فأما آية الوضوء فالقرآن قد نبَّه على أنه لم يكتفِ من طاعات عباده إلا بما أخلصوا له فيه الدين، فمن لم ينوِ التقرُّبَ إليه جملة لم يكن ما أتى به طاعةً البتةَ؛ فلا يكون معتدًّا به، مع أن قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى


(١) رواه البخاري (٥٠٧٠) ومسلم (١٩٠٧) من حديث عمر - رضي الله عنه -.
(٢) د، ت: «احدها».
(٣) د، ت: «الثاني».
(٤) «الثلاث» ليست في د.