للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي تخصيص أحد الخصمين بمجلس أو إقبال أو إكرام مفسدتان: إحداهما (١): طمعُه في أن تكون الحكومة له، فيقوى قلبه وجَنانه، والثانية: أنَّ الآخر ييأس من عدله، ويضعف قلبه، وتنكسر حجته.

وقوله: "البينة على المدعي (٢) واليمين على من أنكر". البيِّنة في كلام الله ورسوله وكلام الصحابة اسمٌ لكلِّ ما يبيِّن الحقَّ، فهي أعمُّ من البيِّنة في اصطلاح الفقهاء، حيث خَصُّوها بالشاهدين أو الشاهد واليمين. ولا حَجْرَ في الاصطلاح ما لم يتضمَّن حملَ كلام الله ورسوله عليه، فيقع بذلك الغلطُ في فهم النصوص وحملها على غير مراد المتكلِّم منها.

وقد حصل بذلك للمتأخرين أغلاط شديدة في فهم النصوص. ونذكر من ذلك مثالًا واحدًا، وهو ما نحن فيه: لفظ (٣) "البينة"، فإنها في كتاب الله اسمٌ لكلِّ ما يبيِّن الحقَّ كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد: ٢٥]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل: ٤٣ - ٤٤]، وقال: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: ٤]، وقال: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} [الأنعام: ٥٧] وقال: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [هود: ١٧]، وقال: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ} [فاطر: ٤٠]، وقال: {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى} [طه: ١٣٣]، [٥٠/ب] وهذا كثير في القرآن،


(١) ح: "أحدهما".
(٢) اللفظ الوارد فيما سبق: "على من ادَّعى".
(٣) في ت: "من لفظ"، والظاهر أن "من" زيدت فيما بعد.