للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تواترت البشارات بصحة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - في الكتب المتقدِّمة، ولكن سلَّطوا عليها التأويلاتِ فأفسدوها ــ كما أخبر سبحانه عنهم ــ من التحريف والتبديل والكتمان. فالتحريف: تحريف المعاني بالتأويلات التي لم يُرِدها المتكلم (١)، والتبديل: تبديل لفظ بلفظ آخر. والكتمان: جحدُه. وهذه الأدواء الثلاثة منها غُيِّرت الأديان والملل. وإذا تأملت دين المسيح وجدت النصارى إنما [٢١٦/ب] تطرَّقوا إلى فساده (٢) بالتأويل بما لا يكاد يوجد (٣) مثلُه في شيء من الأديان، ودخلوا إلى ذلك من باب التأويل.

وكذلك زنادقة الأمم جميعهم إنما تطرَّقوا إلى إفساد ديانات الرسل بالتأويل، ومن بابه دخلوا، وعلى أساسه بنَوا، وعلى نقطه خطُّوا.

والمتأولون أصناف عديدة، بحسب الباعث لهم على التأويل، وبحسب قصور أفهامهم ووفورها. وأعظمُهم توغُّلًا في التأويل الباطل مَن فسد قصدُه وفهمُه، فكلَّما ساء قصدُه وقصَر فهمُه كان تأويله أشدَّ انحرافًا. فمنهم من يكون تأويله لنوع هوًى من غير شبهة، بل يكون على بصيرة من الحق. ومنهم من يكون تأويله لنوع شبهةٍ عرضت له أخفَتْ عليه الحقَّ (٤). ومنهم من يجتمع له الأمران: الهوى في القصد، والشبهة في العلم.


(١) في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «بها».
(٢) في النسخ المطبوعة: «إفساده».
(٣) في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «قط».
(٤) بعده في النسخ المطبوعة زيادة: «ومنهم من يكون تأويله لنوع هدى من غير شبهة، بل يكون على بصيرة من الحق». قلت: أولًا: لفظ «هدى» في هذه الزيادة تحريف «هوى»، ثم هذه العبارة هي السابقة بعينها قبل سطر، فلا معنى لتكرارها.