للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأما اعتبار توبة المحارب قبل القدرة عليه، دون غيره؛ فيقال: أين في نصوص الشارع هذا التفريق؟ بل نصُّه على اعتبار توبة المحارب قبل القدرة عليه، إما من باب التنبيه على اعتبار توبة غيره بطريق الأولى؛ فإنه إذا دفَعت توبتُه عنه حدَّ حِرابه (١) مع شدة ضررها وتعدِّيه، فلأن تدفع التوبةُ ما دون حدِّ الحِراب بطريق الأولى والأحرى. وقد قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (٢). والله تعالى جعل الحدودَ عقوبةً لأرباب الجرائم، ورفَع العقوبةَ عن التائب شرعًا وقدرًا، فليس في شرع الله ولا قدره عقوبةُ تائب البتة.

وفي «الصحيحين» (٣) من حديث أنس قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ حدًّا فأقِمْه عليَّ، قال: ولم يسأله عنه. فحضرت [٢٩٥/أ] الصلاة، فصلَّى مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قام إليه الرجل، فأعاد قوله. قال: «أليس قد صلَّيتَ معنا؟». قال: نعم. قال: «فإن الله عزَّ وجلَّ قد غفر لك ذنبك». فهذا لما جاء تائبًا بنفسه من غير أن يُطلَب غفَر الله له، ولم يُقَمْ عليه الحدُّ الذي اعترف به. وهذا (٤) أحد القولين


(١) في المطبوعة: «دُفعت توبته عند حد حرابه»، وهو خطأ.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) البخاري (٦٨٢٣) ومسلم (٢٧٦٤).
(٤) في النسخ المطبوعة: «وهو».