للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في المسألة، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وهو الصواب (١).

فإن قيل: فماعزٌ جاء تائبًا والغامديةُ جاءت تائبةً، وأقام عليهما الحد.

قيل: لا ريب أنهما جاءا تائبين، ولا ريب أن الحدَّ أقيم عليهما، وبهذا احتجَّ أصحاب القول الآخر. وسألتُ شيخنا عن ذلك، فأجاب بما مضمونه أنَّ الحدَّ مطهِّر، والتوبة (٢) مطهِّرة، وهما اختارا التطهير بالحدِّ على التطهير بمجرد التوبة، وأبَيا إلا أن يطهَّرا بالحدّ. فأجابهما النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك، وأرشد إلى اختيار التطهير بالتوبة على التطهير بالحدِّ، فقال في حقِّ ماعز: «هلا تركتموه يتوب، فيتوب الله عليه» (٣). ولو تعيَّن الحدُّ بعد التوبة لما جاز تركه، بل الإمام مخيَّر بين أن يتركه كما قال لصاحب الحد الذي اعترف به: «اذهَبْ، فقد غفر الله لك» وبين أن يقيمه كما أقامه على ماعز والغامدية لما اختارا إقامته وأبَيَا إلا التطهير به. ولذلك ردَّهما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مرارًا، وهما يأبيان


(١) انظر: «الروايتين والوجهين» (٢/ ٣٠٤) و «مجموع الفتاوى» (١٦/ ٣١). وستأتي المسألة مرة أخرى في كتابنا هذا.
(٢) في النسخ المطبوعة: «بأن الحد مطهر وأن التوبة».
(٣) رواه أحمد (٢١٨٩٠، ٢١٨٩٢)، وأبو داود (٤٤١٩)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٧٢٣٤) من طرق عن يزيد بن نعيم الأسلمي، عن أبيه به. وصححه الحاكم (٤/ ٣٦٣)، وحسنه ابن حجر في «التلخيص الحبير» (٤/ ١٠٧).
ويُنظر: «المسند» لأحمد (١٥٥٥٥، ٢١٨٩١)، و «التاريخ» لابن أبي خيثمة (٢٤٩١ - السِّفْر الثاني)، و «السنن» لأبي داود (٤٤٢٠)، و «الجامع» للترمذي (١٤٢٨)، و «السنن الكبرى» للنسائي (٧٢٣٥ - ٧٢٤٠)، و «معجم الصحابة» لابن قانع (٣/ ١٥٠، ٢٠٨)، و «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (٦٣٩٠، ٦٥٧٢، ٦٥٧٣)، و «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (٤/ ٥٣٥ - ٥٣٦).