للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طريقان ذات يمين وذات شمال، فسلك أحدهما (١)، فإنه من أهلها. وظهور عورة الإنسان له: ذنبٌ يرتكبه ويُفتضَح به. وهروبه وفراره من شيء نجاة وظفر. وغرقه في الماء فتنة في دينه ودنياه. وتعلُّقُه بحبل بين السماء والأرض تمسُّكُه بكتاب الله وعهده واعتصامه بحبله، فإن انقطع به فارقَ العصمةَ؛ إلا أن يكون وليَّ أمرٍ (٢) فإنه قد يُقتَل أو يموت.

فالرؤيا أمثال مضروبة يضربها الملَكُ الذي قد وكَّله الله بالرؤيا، ليستدلَّ الرائي بما ضرب له من المثل على نظيره، ويعبُر منه إلى شبهه. ولهذا سمِّي تأويلها تعبيرًا، وهو تفعيل من العبور؛ كما أن الاتعاظ يسمَّى اعتبارًا وعبرةً، لعبور المتعظ من النظير إلى نظيره. ولولا أنَّ حُكمَ الشيء حكمُ مثلِه وحُكمَ النظير حكمُ نظيره لبطل هذا التعبير والاعتبار، ولما وُجِد إليه سبيل. وقد أخبر الله سبحانه أنه ضرَب الأمثال لعباده في غير موضع من كتابه، وأمر باستماع أمثاله، ودعا عباده إلى [١١٦/أ] تعقُّلها، والتفكير فيها، والاعتبار بها. وهذا هو المقصود بها.

وأما أحكامه الأمرية الشرعية، فكلُّها هكذا، تجدها مشتملةً على التسوية بين المتماثلين، وإلحاق النظير بنظيره، واعتبار الشيء بمثله، والتفريق بين المختلفين، وعدم تسوية أحدهما بالآخر. وشريعته سبحانه منزَّهة أن تنهى عن شيء لمفسدةٍ فيه، ثم (٣) تُبيح ما هو مشتمل على تلك المفسدة أو مثلها أو أزيد منها. فمن جوَّز ذلك على الشريعة فما عرفها حقَّ معرفتها، ولا قدَرها


(١) مقتضى السياق: "إحداهما".
(٢) في النسخ المطبوعة: "ولي أمرًا".
(٣) "ثم" ساقط من المطبوع.