للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورواه بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي هريرة: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجدَ، فرأى جمعًا من الناس على رجل، فقال: "ما هذا؟ ". قالوا: يا رسول الله، رجلٌ علَّامة. قال: "وما العلَّامة؟ ". قالوا: أعلَمُ الناس بأنساب العرب، وأعلَمُ الناس بعربية، وأعلَمُ الناس بشعر، وأعلَمُ الناس بما اختلف فيه العرب. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا علمٌ لا ينفع، وجهلٌ لا يضُرُّ". وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العلم ثلاثة، وما خلا فهو [٤٨/ب] فضل: علمُ آية محكمة، أو سنَّة قائمة، أو فريضة عادلة" (١).

وقوله: "فافهم إذا أُدْليَ إليك". صحّةُ الفهم وحسنُ القصد من أعظم نِعَم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أُعْطِيَ عبدٌ عطاءً بعد الإسلام أفضلَ


(١) رواه أبو نعيم [كما في "الغرائب الملتقطة" لابن حجر (٢٧٢٤)]، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (١٣٨٥)، وأبو بكر ابن مردويه ــ ومن طريقه أبو سعد السمعاني في "الأنساب" (١/ ٩) ــ من حديث هشام بن خالد، عن بقية به، لكن قُرن أبو هريرة بابن عباس عند أبي نعيم. وقال ابن عبد البر في "الجامع" (١/ ٧٥٢): "في إسناد هذا الحديث رجلان لا يُحتج بهما، وهما سليمان وبقية". وآفة الحديث بقية، وكان يدلّس عن الهلكى والمجروحين. أما سليمان (وهو ابن محمد الخزاعي) فهو وإن كان متكلَّمًا فيه، فقد تابعه محمد بن أحمد بن داود البغدادي المؤدّب (وهو صدوقٌ لا بأس به) عند أبي نعيم وابن مردويه والسمعاني، وذهل ابن حجر عن هذه المتابَعة في "لسان الميزان" (٤/ ١٧٣).

ولشطر الحديث الأول شاهدٌ لا ينفعه، رواه أبو داود في "المراسيل" (٤٧٥)، وأبو بكر ابن مردويه ــ ومن طريقه السمعاني في "الأنساب" (١/ ٩ - ١٠) ــ من حديث زيد بن أسلم مرسلا، وهو ــ على الأرجح ــ معضلٌ؛ لأن زيد بن أسلم من صغار التابعين، وأكثر رواياته عن التابعين، ولو كان سمعه من صحابيٍّ، أو تابعيٍّ ثقةٍ كبيرٍ = لصاح بذلك إن شاء الله تعالى.