للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثنا حُميد عن الحسن أن رجلًا تزوج امرأة، وأراد سفرًا، فأخذه أهلُها، فجعلها طالقًا إن لم يبعث بنفقتها إلى شهرٍ، فجاء الأجل، ولم يبعث إليها بشيء، فلما قدم خاصموه [١٤٤/ب] إلى عليّ (١) فقال: اضطهدتموه حتى جعلها طالقًا، فردَّها عليه (٢).

ومعلوم أنه لم يكن هناك إكراه بضرب ولا أخْذِ مال، وإنما طالبوه بما يجب لها عليه من نفقتها، وذلك ليس بإكراه، ولكن لما تعنَّتوه باليمين جعله مضطهدًا؛ لأنه عقدَ اليمين ليتوصَّل إلى قصده من السفر، فلم يكن حلفه عن اختيار، بل هو كالمحمول عليه.

والفرق بينه وبين المكْرَه أن المكره قاصد لدفع (٣) الضرر باحتمال ما أُكرِه عليه، وهذا قاصد للوصول إلى حقه بالتزام ما طلب منه، وكلاهما غير راضٍ ولا مؤثرٍ لما التزمه، وليس له وَطَرٌ فيه.

فتأملْ هذا ونزِّله على قواعد الشرع ومقاصده، وهذا ظاهر جدًّا في أن علي بن أبي طالب لم يكن يرى الحلف بالطلاق مُوقِعًا للطلاق إذا حنِثَ به، وهو قول شريح وطاوس وعكرمة وأهلِ الظاهر وأبي عبد الرحمن الشافعي، وهو أجلُّ أصحابه على الإطلاق. قال بعض الحفَّاظ: ولا يُعلم لعليٍّ مخالف من الصحابة، وسيأتي الكلام في المسألة، إن شاء الله، إذ المقصود أن من أقرَّ أو حلفَ أو وهبَ أو صالحَ لا عن رِضًى منه، ولكن منع حقه إلا بذلك، فهو


(١) بعدها في ز فقط: «كرم الله وجهه».
(٢) ذكره ابن حزم في «المحلى» (١٠/ ٢١٢) بهذا اللفظ، وهوضعيف لعدم سماع الحسن من علي، وسيأتي بلفظ آخر.
(٣) ك: «قاصدًا رفع».