للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن كان مسبوقًا بالإجماع، فالصواب اتباع الإجماع، وأن لا يُلتفت إلى قوله. وإن لم يكن في المسألة إجماعٌ، فقوله قوي ظاهر. والله أعلم.

فإن قيل: فقد جاءت السنة بأن المخيَّرة تعتدُّ ثلاثَ حِيض، كما رواه ابن ماجه من حديث عائشة قالت: أُمِرت بريرةُ أن تعتدَّ ثلاثَ حِيَض (١).

قيل: ما أصرحه من حديثٍ لو ثبت! ولكنه حديث منكر بإسناد مشهور. وكيف يكون عند أم المؤمنين هذا الحديث وهي تقول: الأقراء: الأطهار؟ فإن صحَّ الحديث وجب القول به، ولم تَسُغْ (٢) مخالفته، ويكون حكمه حكم المطلقة ثلاثًا في اعتدادها بثلاثة قروء، ولا رجعة لزوجها عليها؛ فإن الشارع يخصِّص بعض الأعيان والأفعال والأزمان والأماكن ببعض الأحكام، وإن لم يظهر لنا موجب التخصيص. فكيف وهو ظاهر في مسألة المخيَّرة، فإنها لو جُعلت عدَّتُها حيضةً واحدةً لبادرت إلى التزوج بعدها، وأيس منها زوجها؟ فإذا جُعِلت ثلاث حيض طال زمن انتظارها وحبسها عن


(١) رواه ابن ماجه (٢٠٧٧)، وجوّد سنده ابن التركماني في «الجوهر النقي» (٧/ ٤٢٦)، وصححه البوصيري في «مصباح الزجاجة» (٢/ ١٣٠). وأغرب ابن حجر في «فتح الباري» (٩/ ٤٠٥)، فقطع أنه على شرط الشيخين! بل قال: «هو في أعلى درجات الصحة»! مع قوله في «بلوغ المرام» (١١١٥): «ورواتُه ثقات، لكنه معلول». وأُراه تبع الحافظ النقّاد ابنَ عبد الهادي القائلَ في «المُحرَّر» (١٠٨٤): «رواته ثقات، وقد أُعِلَّ». وكأنه يُشِير إلى إعلال شيخه ابن تيمية إياه، وله في ذلك بيانٌ متينٌ؛ فليُنظر في «مجموع فتاويه» (٣٢/ ١١١ - ١١٢)، وقد أفاد منه المصنِّف هنا في إعلال هذا الخبر. ويُنظر أيضًا: «تهذيب السنن» للمصنف (١/ ٥٤٥).
(٢) كذا في ع، والمطبوع. وفي النسخ الخطية والطبعات الأخرى: «ولم تَسَعْ» بإهمال العين، وهو أيضًا صحيح.