للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علَّق الحكمَ بوصف لمصلحة عامة لم يكن تخلُّفُ تلك المصلحة والحكمة في بعض الصور مانعًا من ترتُّب الحكم، [٢٩٠/أ] بل هذه قاعدة الشريعة وتصرُّفها في مصادرها ومواردها.

الوجه الثاني: أن الشارع حرَّمها عليه حتى تنكح زوجًا غيره، عقوبةً له؛ ولعن المحلِّل والمحلَّل له لمناقضتهما ما قصده الله سبحانه من عقوبته. وكان من تمام هذه العقوبة أن طوَّل مدةَ تحريمها عليه، فكان ذلك أبلغ فيما قصده الشارع من العقوبة. فإنه إذا علِم أنها لا تحِلُّ له حتى تعتدَّ بثلاثة قروء، ثم يتزوجها آخرُ نكاحَ رغبةٍ مقصودٍ (١)، لا تحليلٍ موجِبٍ للعنة، ويفارقها، وتعتدُّ من فراقه ثلاثة قروء أُخَر= طال عليه الانتظار، وعِيلَ صبرُه، فأمسك عن الطلاق الثلاث. وهذا واقع على وفق الحكمة والمصلحة والزجر، فكان التربُّص بثلاثة قروء في الرجعية نظرًا للزوج ومراعاةً لمصلحته لما لم يوقع الثالثة المحرِّمة لها، وهاهنا كان تربُّصُها عقوبةً له وزجرًا لما أوقع الطلاق المحرِّم لما أحلَّ الله له. وأُكِّدت هذه العقوبة بتحريمها عليه إلا بعد زوج وإصابة وتربُّص ثان.

وقيل: بل عدَّتها حيضة واحدة، وهي اختيار أبي الحسين بن اللبَّان (٢).


(١) كذا في النسخ الخطية، فإن صح كان «مقصودٍ» مجرورًا بالجوار. وفي النسخ المطبوعة أصلحت العبارة بإدخال الباء على «نكاح»: «بنكاحِ رغبةٍ مقصودٍ».
(٢) ذكره عنه ابن أبي يعلى. انظر: «زاد المعاد» (٥/ ٥٩٧). وهو محمد بن عبد الله بن الحسن البصري (ت ٤٠٢). قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (٣/ ٥٠٧): «انتهى إليه عِلْمُ الفرائض وقسمة المواريث». وله في الفرائض مؤلفات منها «الإيجاز في علم الفرائض»، وقد حقِّق في الجامعة الإسلامية سنة ١٤٣٣.