للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجواب هذا السؤال من طريقين: مجمل ومفصل:

أما المجمل فهو أن ما ذكرتم من الصور وأضعافها وأضعاف أضعافها فهو من أبيَن الأدلة [٢٨٠/أ] على عظم هذه الشريعة وجلالتها، ومجيئها على وفق العقول السليمة والفِطَر المستقيمة، حيث فرَّقت بين أحكام هذه الصور المذكورة، لافتراقها في الصفات التي اقتضت افتراقَها في الأحكام. ولو ساوت بينها في الأحكام لتوجَّه السؤالُ، وصعُبَ الانفصال، وقال القائل: قد ساوت بين المختلفات، وقرنت (١) الشيء إلى غير شِبهه في الحكم. وما امتازت صورة من تلك الصور بحكمها دون الصورة الأخرى إلا لمعنًى قام بها أوجَبَ اختصاصَها بذلك الحكم، ولا اشتركت صورتان في حكمٍ إلّا لاشتراكهما في المعنى المقتضى لذلك الحكم. ولا يضرُّ افتراقُهما في غيره كما لا ينفع اشتراكُ المختلفين في معنًى لا يوجب الحكم. فالاعتبار في الجمع والفرق إنما هو بالمعاني التي لأجلها شُرِعت تلك الأحكام وجودًا وعدمًا.

وقد اختلفت أجوبة الأصوليين عن هذا السؤال بحسب أفهامهم ومعرفتهم بأسرار الشريعة. فأجاب ابن الخطيب عنه بأن قال (٢): «غالبُ أحكام الشرع (٣) معلَّلة برعاية المصالح المعلومة، والخصمُ إنما بيَّن خلاف ذلك في صور قليلة جدًّا. وورود الصورة النادرة على خلاف الغالب لا يقدح في حصول الظن، كما أن الغيم الرطب إذا لم يمطر نادرًا لا يقدح في


(١) ح، ف: «وقربت».
(٢) في كتاب «المحصول» (٥/ ١١٤).
(٣) في النسخ المطبوعة: «الشريعة».