للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بموجبها حكَم بخلاف ما يعتقد صحته، وإن حكَم بخلافها طرق الخصمُ إلى تهمته والتشنيع عليه بأنه يحكُم بخلاف ما يعتقده ويفتي به.

ولهذا قال شريح: أنا أقضي لكم، ولا أفتي (١). حكاه ابن المنذر (٢)، واختار كراهية الفتوى في مسائل الأحكام.

وقال الشيخ أبو حامد الإسفراييني (٣): لأصحابنا في فتواه في مسائل الأحكام جوابان.

أحدهما: أنه ليس له أن يفتي فيها، لأن لكلام الناس عليه مجالًا، ولأحد الخصمين عليه مقالًا. والثاني: له ذلك، لأنه أهل له.

الفائدة السابعة والثلاثون: فتيا الحاكم ليست حكمًا منه، فلو (٤) حكم غيرُه بخلاف ما أفتى به لم يكن نقضًا لحكمه. ولا هي كالحكم، ولهذا يجوز أن يفتي الحاضرَ والغائبَ ومن يجوز حكمه له ومن لا يجوز. ولهذا لم يكن في حديث هند (٥) دليل على الحكم على الغائب، لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أفتاها فتوى مجرَّدة، ولم يكن ذلك حكمًا على الغائب، فإنه لم يكن غائبًا عن البلد، وكانت مراسلته وإحضاره ممكنة، ولا طلب البينة على صحة دعواها. وهذا ظاهر بحمد الله.


(١) رواه عبد الرزاق (١٦٩٢١) والطحاوي في «معاني الآثار» (٤/ ٩٦) من طريقين ضعيفين عن عطاء بن السائب.
(٢) في «الإقناع» (٢/ ٥١٤). وانظر: «أدب المفتي» (ص ١٠٧ - ١٠٨).
(٣) في بعض تعاليقه. ونقل منها ابن الصلاح في «أدب المفتي» (ص ١٠٨).
(٤) في النسخ المطبوعة: «ولو».
(٥) رواه البخاري (٢٢١١) ومسلم (١٧١٤) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.