للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

الخطأ الرابع لهم: اعتقادهم أن عقود المسلمين وشروطهم ومعاملاتهم كلَّها على البطلان حتى يقوم دليل على الصحة، فإذا لم يقم عندهم دليل على صحة شرط أو عقد أو معاملة استصحبوا بطلانه. فأفسدوا بذلك كثيرًا من معاملات الناس وعقودهم وشروطهم، بلا برهان من الله، بناءً على هذا الأصل.

وجمهور الفقهاء على خلافه، وأن الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما أبطله الشارع أو نهى عنه. وهذا القول هو الصحيح، فإن الحكم ببطلانها حكمٌ بالتحريم والتأثيم، ومعلوم أنه لا حرام إلا ما حرَّمه الله (١)، ولا تأثيم إلا ما أثَّم الله ورسوله به فاعلَه؛ كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه، ولا حرام إلا ما حرَّمه (٢)، ولا دين إلا ما شرَعه. فالأصل (٣) في العبادات: البطلان [٢٠٨/ب] حتّى يقوم دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات: الصحة حتّى يقوم دليل على البطلان والتحريم.

والفرق بينهما: أن الله سبحانه لا يُعبَد إلا بما شرعه على ألسنة رسله، فإن العبادة حقُّه على عباده، وحقُّه الذي أحقَّه هو، ورضي به، وشرعه. وأما العقود والشروط والمعاملات فهي عفوٌ حتى يحرِّمها. ولهذا نعَى الله سبحانه على المشركين مخالفةَ هذين الأصلين، وهو تحريم ما لم يحرِّمه، والتقرُّب إليه بما لم يشرعه. وهو سبحانه لو سكت عن إباحة ذلك وتحريمه


(١) في النسخ المطبوعة زيادة: «ورسوله».
(٢) في النسخ المطبوعة: «أوجبه الله ... حرّمه الله».
(٣) ع: «والأصل».