للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٣٣] فهذا نهيٌ عن إكراههن على كسب المال بالبغاء، كما قيل: إن عبد الله بن أُبيّ رأس المنافقين كان له إماء يُكرههن على البغاء. وليس هذا استكراهًا للأمة على أن يزني بها هو، فإن هذا بمنزلة التمثيل بها، وذاك إلزام لها بأن تذهب هي فتزني، مع أنه يمكن أن يقال: العتق بالمثلة لم يكن مشروعًا عند نزول الآية، ثم شُرِع بعد ذلك.

قال شيخنا (١): والكلام على هذا الحديث من أدقِّ [٢٦١/ب] الأمور، فإن كان ثابتًا فهذا الذي ظهر في توجيهه، وإن لم يكن ثابتًا فلا يحتاج إلى الكلام عليه.

قال: وما عرفت حديثًا صحيحًا إلا ويمكن تخريجه على الأصول الثابتة. قال: وقد تدبَّرتُ ما أمكنني من أدلة الشرع، فما رأيت قياسًا صحيحًا يخالف حديثًا صحيحًا، كما أن المعقول الصحيح (٢) لا يخالف المنقول الصحيح. بل متى رأيت قياسًا يخالف أثرًا فلا بدَّ من ضعف أحدهما، لكن التمييز بين صحيح القياس وفاسده مما يخفى كثيرٌ منه على أفاضل العلماء فضلًا عمَّن هو دونهم. فإنَّ إدراكَ الصفة المؤثِّرة في الأحكام على وجهها ومعرفةَ المعاني التي عُلِّقت بها الأحكام من أشرف العلوم. فمنه الجليُّ الذي يعرفه أكثر الناس، ومنه الدقيق الذي لا يعرفه إلا خواصُّهم. فلهذا صارت أقيسة كثير من العلماء تجيء مخالفةً للنصوص، لخفاء القياس الصحيح، كما يخفى على كثير من الناس ما في النصوص من الدلائل


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٥٦٧)، والكلام متصل بالسابق واللاحق.
(٢) في «مجموع الفتاوى»: «الصريح».