للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثامن والخمسون: قولكم: «وقد أمر الله بقبول شهادة الشاهد، وذلك تقليد له»، فلو لم يكن في آفات التقليد غيرُ هذا الاستدلال لكفى به بطلانًا، وهل قبلنا قول الشاهد إلا بنص كتاب ربنا وسنة نبينا وإجماع الأمة على قبول قوله؛ فإن الله سبحانه نصبه حجة يحكم الحاكم بها كما يحكم بالإقرار، وكذلك قول المقرِّ أيضًا حجة شرعية، وقبوله تقليدٌ له كما سمَّيتم قبول شهادة الشاهد تقليدًا، فسمُّوه ما شئتم فإن الله سبحانه أمرنا بالحكم بذلك، وجعله [٣٧/ب] دليلًا على الأحكام؛ فالحاكم بالشهادة والإقرار منفِّذ لأمر الله ورسوله، ولو تركنا وتقليد الشاهد لم نُلزِم به حكمًا، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي بالشاهد (١) وبالإقرار (٢)، وذلك حكم بنفس ما أنزل الله لا بالتقليد؛ فالاستدلالُ بذلك على التقليد المتضمن للإعراض عن الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، وتقديمِ آراء الرجال عليها، وتقديمِ قول الرجل على من هو أعلم منه، واطِّراحِ قول من عداه جملةً= من باب قلب الحقائق وانتكاس العقول والأفهام. وبالجملة فنحن إذا قبلنا قول الشاهد لم نقبله لمجرد كونه شهد به، بل لأن الله سبحانه أمرنا بقبول قوله، فأنتم معاشرَ المقلّدين إذا قبلتم قول من قلَّدتموه قبلتموه لمجرد كونه قاله أو لأن الله أمركم بقبول قوله وطَرْح قول من سواه؟

الوجه التاسع والخمسون: قولكم: «وقد جاءت الشريعة بقبول قول القائف والخارص والقاسم والمقوِّم والحاكمَينِ بالمثل في جزاء الصيد، وذلك تقليد محض»، أتعنون به أنه تقليد لبعض العلماء في قبول أقوالهم أو


(١) تقدم تخريجه.
(٢) كقصة ماعز وهي مخرجة عند مسلم (١٦٩٢) من حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنهما -.