للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقليد لهم فيما يخبرون به؟ فإن عنيتم الأول فهو باطل، وإن عنيتم الثاني فليس فيه ما تستروحون إليه من التقليد الذي قام الدليل على بطلانه، وقبول قول هؤلاء من باب قبول خبر المخبر والشاهد، لا من باب قبول الفتيا في الدين من غير قيام دليل على صحتها (١)، بل لمجرد إحسان الظن بقائلها مع تجويز الخطأ عليه، فأين قبول الأخبار والشهادات والأقارير إلى التقليد في الفتوى؟ والمخبر بهذه الأمور يخبر عن أمر حسّي طريقُ العلم به إدراكه بالحواس والمشاعر الظاهرة والباطنة، وقد أمر الله سبحانه بقبول خبر المخبر به إذا كان ظاهر الصدق والعدالة. وطَرْدُ [٣٨/أ] هذا ونظيره: قبول خبر المخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه قال أو فعل، وقبول خبر المخبر عمن أخبر عنه بذلك، وهلمَّ جرًّا؛ فهذا حق لا ينازع فيه أحد.

وأما تقليد الرجل فيما يخبر به عن ظنه فليس فيه أكثر من العلم بأن ذلك ظنه واجتهاده؛ فتقليدنا له في ذلك بمنزلة تقليدنا له فيما يخبر به عن رؤيته وسماعه وإدراكه، فأين في هذا ما يوجب علينا أو يسوِّغ لنا أن نفتي بذلك أو نحكم به وندين الله به، ونقول: هذا هو الحق وما خالفه باطل، ونترك له نصوص القرآن والسنة وآثار الصحابة وأقوال من عداه من جميع أهل العلم؟

ومن هذا الباب تقليد الأعمى في القبلة (٢) ودخول الوقت لغيره، وقد كان ابن أم مكتوم لا يؤذِّن حتى يقلِّد غيره في طلوع الفجر، ويقال له: أصبحتَ أصبحتَ (٣)، وكذلك تقليد الناس للمؤذّن في دخول الوقت،


(١) ع: «لصحتها».
(٢) «في القبلة» ساقطة من ت.
(٣) تقدم تخريجه.