للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأمَّلْ أجزاءَ هذا المثل البليغ، وانطباقَها على أجزاء الممثَّل به، تعرِفْ عظمة القرآن وجلالته. فإنَّ الحجرَ في مقابلة قلب هذا المرائي والمانِّ والمؤذي، فقلبُه في قسوته عن الإيمان والإخلاص والإحسان بمنزلة الحجر، والعملُ الذي عَمِله لغير الله بمنزلة التراب الذي على ذلك الحجر. فقسوةُ ما تحته وصلابتُه تمنعه من النبات والثبات عند نزول الوابل، فليس له مادة متصلة بالذي (١) يَقبل الماء ويُنبت الكلأ. وكذلك قلبُ المرائي ليس له ثبات عند وابل الأمر والنهي والقضاء والقدر، فإذا نزل عليه وابلُ الوحي انكشف عنه ذلك التراب اليسير [١١٠/أ] الذي كان عليه، فبرز ما تحته حجرًا صلدًا لا نبات فيه. وهذا مثلٌ ضربه الله سبحانه لعمل المرائي ونفقته، لا يقدر يوم القيامة على ثوابِ شيءٍ منه أحوجَ ما كان إليه. وبالله التوفيق (٢).

فصل

ومنها: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١٦) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: ١١٦ - ١١٧].

هذا مثل ضربه الله تعالى لمن أنفق ماله في غير طاعته ومرضاته، فشبَّه سبحانه ما يُنفقه هؤلاء من أموالهم في المكارم والمفاخر وكسب الثناء


(١) كذا في ح، ت والطبعات القديمة. وقد أصلحه بعضهم في ح ليقرأ: "بالري" كما في س، ع، ف والمطبوع.
(٢) وانظر في تفسير المثل أيضًا: "طريق الهجرتين" (٢/ ٨٠٠ - ٨٠٢).