للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ [٣٠ مكرر/أ] بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: ٥٩]، وهذا صريح في إبطال التقليد، والمنعِ من ردِّ المتنازَعِ فيه إلى رأي أو مذهب أو تقليد.

فإن قيل: فما هي طاعتهم المختصَّة بهم؟ إذ لو كانوا إنما يطاعون فيما يخبرون به عن الله ورسوله كانت الطاعة لله ورسوله لا لهم.

قيل: وهذا هو الحق، وطاعتهم إنما هي تَبَعٌ لا استقلال، ولهذا قرنَها بطاعة الرسول ولم يُعِدِ العامل، وأفرد طاعة الرسول وأعاد العامل، لئلّا يُتوهَّم أنه إنما يطاع تبعًا كما يطاع أولو الأمر تبعًا، وليس كذلك، بل طاعته واجبة استقلالًا، كان ما أمر به ونهى عنه في القرآن أو لم يكن.

الوجه الثاني والأربعون: قولهم: «إن الله ــ سبحانه وتعالى ــ أثنى على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وتقليدهم هو اتباعهم بإحسان»، فما أصدقَ المقدمةَ الأولى، وما أكذبَ الثانية! بل الآية من أعظم الأدلة ردًّا على فرقة التقليد؛ فإن اتباعهم هو سلوك سبيلهم ومنهاجهم، وقد نهوا عن التقليد وكون الرجل إمَّعةً، وأخبروا أنه ليس من أهل البصيرة، ولم يكن فيهم ــ ولله الحمد ــ رجل واحد على مذهب هؤلاء المقلدين، وقد أعاذهم الله وعافاهم مما ابتلى به من يردّ النصوص لآراء الرجال وتقليدها؛ فهذا ضدُّ متابعتهم، وهو نفس مخالفتهم؛ فالتابعون لهم بإحسانٍ حقًّا هم أولو العلم والبصائر، الذين لا يقدِّمون على كتاب الله وسنة رسوله رأيًا ولا قياسًا ولا معقولًا ولا قولَ أحد من العالمين، ولا يجعلون مذهب رجلٍ عِيارًا على القرآن والسنن؛ فهؤلاء أتباعهم حقًّا، جعلنا الله منهم بفضله ورحمته.