للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثلاث. وهذه هي الثلاث التي أجاب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن مسعود بها حيث قال له: يا رسول الله، أيُّ الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا، وهو خلَقَك». قال: قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «أن تقتل ولدَك خشيةَ أن يطعَمَ معك». قال: قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «أن تُزانيَ بحليلة جارك» (١). فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} الآية [الفرقان: ٦٨].

ثم لما كان سرقة الأموال تلي ذلك في الضرر، وهو دونه، جعل عقوبته قطعَ الطَّرَف. ثم لما كان القذف دون سرقة المال في المفسدة جعل عقوبته دون ذلك، وهو الجلد. ثم لما كان شربُ المسكِر أقلَّ مفسدةً من ذلك جعل حدَّه دون حدِّ هذه الجنايات كلِّها. ثم لما كانت مفاسد الجرائم بعد متفاوتةً غيرَ منضبطةٍ في الشدة والضعف والقلة والكثرة ــ وهي ما بين النظرة إلى الخلوة (٢) والمعانقة ــ جُعِلت عقوباتُها راجعةً إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور، بحسب المصلحة في كلِّ زمان ومكان، وبحسب أرباب الجرائم في أنفسهم.

فمن سوَّى بين الناس في ذلك وبين الأزمنة والأمكنة والأحوال لم يفقه حكمةَ الشرع، واختلفت عليه أقوالُ الصحابة وسيرةُ الخلفاء الراشدين وكثيرٌ من النصوص، ورأى عمر قد زاد في حدِّ الخمر على أربعين والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إنما جلَد أربعين، وعزَّر بأمور لم يعزِّر بها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، [٣١٥/ب] وأنفذ على الناس


(١) أخرجه البخاري (٤٤٧٧) ومسلم (٨٦).
(٢) في النسخ المطبوعة: «والخلوة».