للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الرجل فإنه حرام، فيشتري به سلعةً ولا يُعينه ثم ينقده (١) للبائع ويقول: لم آكل ماله إنما أكلتُ ما اشتريته وقد ملكتُه ظاهرًا وباطنًا. وأمثال هذه الأمور التي لو استعملها الطبيب في معالجة المرضى لزاد مرضهم، ولو استعملها المريض كان مرتكبًا لنفس ما نهاه عنه الطبيب، كمن يقول له الطبيب: لا تأكل اللحم فإنه يزيد في موادِّ المرض، فيدقُّه ويعمل منه هريسة ويقول: لم آكل اللحم، [٣٩/أ] وهذا المثال مطابق لعامة الحيل الباطلة في الدين.

ويا لله العجب! أي فرق بين بيع مائة بمائة وعشرين صريحًا وبين إدخال سلعةٍ لم تُقصد أصلًا بل دخولها كخروجها؟ ولهذا لا يسأل العاقد عن جنسها ولا صفتها ولا قيمتها ولا عيبٍ فيها، ولا يبالي بذلك البتة، حتى لو كانت خرقة مقطَّعة أو أذن جَدْيٍ أو عودًا من حطب أدخلوه محلّلا للربا. ولما تفطَّن المحتالون أن هذه السلعة لا اعتبار بها في نفس الأمر، وأنها ليست مقصودةً بوجه، وأن دخولها كخروجها= لم يبالوا بكونها مما يُتموَّل عادة أو لا يتموَّل، ولم يبالِ بعضهم بكونها مملوكة للبائع أو غير مملوكة، بل لم يبال بعضهم (٢) بكونها مما يباع أو مما لا يباع كالمسجد والمنارة والقلعة، وكل هذا وقع من أرباب الحيل، وهذا لما علموا أن المشتري لا غرضَ له في السلعة فقالوا: أي سلعة اتفق حضورها حصل بها التحليل، كأيّ تيسٍ اتفق في باب محلل النكاح.

وما مَثَلُ مَن وقف مع الظواهر والألفاظ ولم يراعِ المقاصد والمعاني إلا كمثل رجلٍ قيل له: لا تسلِّمْ على صاحب بدعة، فقبَّل يده ورجله ولم يسلِّم


(١) ز: «ينفذه».
(٢) ز: «بعضها».