للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقِّ من جاءه يتحاكم إليه لأجل غرضه، لا لالتزامه لدينه - صلى الله عليه وسلم - من أهل الكتاب: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا} [المائدة: ٤٢]. فهؤلاء لما لم يلتزموا دينه لم يلزمه الحكمُ بينهم. والله أعلم.

الفائدة الثالثة والستون: عاب بعضُ الناس ذكرَ الاستدلال في الفتوى، وهذا العيب أولى بالعيب (١)! بل جمال الفتوى وروحها هو الدليل، فكيف يكون ذكرُ كلام الله ورسوله وإجماع المسلمين وأقوال الصحابة والقياس الصحيح عيبًا؟ وهل ذكرُ قول الله ورسوله إلا طراز الفتاوى؟ وقولُ المفتي ليس بموجِب للأخذ به، فإذا ذكر الدليلَ فقد حرُم على المستفتي أن يخالفه، وبرِئ هو من عهدة الفتوى بلا علم.

وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسأَل عن المسألة، فيضرب لها الأمثال، ويشبِّهها بنظائرها. هذا، وقوله وحده حجة، فما الظنُّ بمن ليس قوله بحجَّة، ولا يجب الأخذ به! وأحسن أحواله وأعلاها أن يسوغ (٢) قبول قوله، وهيهات أن يسوغ بلا حجة!

وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سئل أحدُهم عن مسألة أفتى بالحجة نفسها، فيقول: قال الله كذا، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، أو فعل كذا؛ فيُشفَى السائل، ويبلِّغ القائل. وهذا كثير جدًّا في فتاويهم لمن تأمَّلها. ثم جاء التابعون والأئمة بعدهم، فكان أحدهم يذكر الحكم ثم يستدل عليه، وعلمه


(١) في المطبوع: «بالمعيب».
(٢) في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «له».