للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأقيسة، فإن لم يترجَّح له قول منها لم يسَعْ له أن يرجِّح بغرض (١) السائل. وإن ترجَّح له قول منها وظنَّ أنه الحق فأولى بذلك، فإن السائل إنما يسأل عما يلزمه في الحكم ويسعه عند الله. فإن عرفه المفتي أفتاه به سواءً وافق غرضَه أو خالفه. ولا يسعه ذلك أيضًا إذا علم أن السائل يدور على من يفتيه بغرضه في تلك المسألة، فيجعل استفتاءه تنفيذًا لغرضه، لا تعبُّدًا لله بأداء حقِّه. ولا يسعه أن يدلَّه على غرضه أين كان، بل ولا يجب عليه أن يفتي هذا الضربَ من الناس؛ فإنهم لا يستفتون ديانةً، وإنما يستفتون توصُّلًا إلى حصول أغراضهم بأيِّ طريق اتفق (٢). فلا يجب على المفتي مساعدتهم، فإنهم لا يُربُّون (٣) الحقَّ، بل يُربُّون أغراضهم (٤). ولهذا إذا وجدوا أغراضهم في أيِّ مذهب اتفق اتبعوه في ذلك الموضع، وتمذهبوا به، كما يفعله أرباب الخصومات بالدعاوى عند الحكام. ولا يقصد أحدهم حاكمًا بعينه، بل أيُّ حاكم نفذ غرضه عنده صار إليه.

وقال شيخنا مرةً: أنا مخيَّر بين [٢١٩/ب] إفتاء هؤلاء وتركهم، فإنهم لا يستفتون للدين، بل لوصولهم إلى أغراضهم حيث كانت، ولو وجدوها عند غيري لم يجيئوا إليَّ، بخلاف من يسأل عن دينه. وقد قال الله تعالى لنبيِّه في


(١) في المطبوع: «لغرض».
(٢) ك، ب: «وافق»، وكذا في المطبوع.
(٣) كذا في ز، ب هنا وفي الجملة التالية، وقد ضبط في ز بضم الراء والباء. فإن صح، فلعله من قولهم: يُربُّون العلَم، أي يقومون به. وفي ك: «يرون» في الموضعين. وفي النسخ المطبوعة: «يريدون».
(٤) في النسخ المطبوعة بعده زيادة: «بأي طريق وافق».