للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقاء نفسه بالزندقة والإلحاد، وكلما قدر عليه أظهر الإسلام وعاد إلى ما كان عليه، ولا سيَّما وقد علم أنه أمِنَ بإظهار الإسلام من القتل، فلا يزَعُه خوفه عن المجاهرة بالزندقة والطعن في الدين ومسبَّة الله ورسوله، فلا ينكفُّ عدوانُه عن الإسلام إلا بقتله.

وأيضًا فإن من سبَّ الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادًا، فجزاؤه القتل حدًّا، والحدود لا تسقط بالتوبة بعد القدرة اتفاقًا، ولا ريب أن محاربة هذا الزنديق لله ورسوله وإفساده في الأرض أعظم محاربة وإفسادًا (١)، فكيف تأتي الشريعة بقتل من صال على [٤٤/ب] عشرة دراهم لذمي أو على بدنه ولا تقبل توبته، ولا تأتي بقتل من دأبه الصولُ (٢) على كتاب الله وسنة رسوله والطعنُ في دينه وتقبل توبته بعد القدرة؟

وأيضًا فالحدود بحسب الجرائم والمفاسد، وجريمة هذا أغلظُ الجرائم، ومفسدة بقائه بين أظهر المسلمين من أعظم المفاسد.

وهاهنا قاعدة يجب التنبيه عليها لعموم الحاجة إليها، وهي أن الشارع إنما قبلَ توبة الكافر الأصلي مِن كفرِه بالإسلام لأنه ظاهر لم يعارضه ما هو أقوى منه، فيجب العمل به؛ لأنه مقتضٍ (٣) لحقن الدم والمعارض منتفٍ. فأما الزنديق فإنه قد أظهر ما يبيح دمه، فإظهاره بعد القدرة عليه للتوبة والإسلام لا يدلُّ على زوال ذلك الكفر المبيح لدمه دلالةً قطعية ولا ظنية، أما انتفاء القطع فظاهر، وأما انتفاء الظن فلأن الظاهر إنما يكون دليلًا


(١) د: «وإفساد».
(٢) د: «التصول».
(٣) في النسختين: «مقتضى».