للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نزاع بين الأمة مشهور، وقد ذكر الشافعي الحجة على قبول توبتهما، ومن لم يقبل توبتهما يقول: إنه لا سبيل إلى العلم بها؛ فإن الزنديق قد عُلِم أنه لم يزل مظهرًا للإسلام، فلم يتجدَّد له بإسلامه الثاني حالٌ مخالفةٌ لما كان عليه، بخلاف الكافر الأصلي؛ فإنه إذا أسلم فقد تجدّد له بالإسلام حالٌ لم يكن عليها، والزنديق إنما رجع إلى إظهار الإسلام.

وأيضًا فالكافر كان معلنًا لكفره غير متستِّرٍ به ولا مُخفٍ له، فإذا أسلم تيقنَّا أنه أتى بالإسلام رغبة فيه لا خوفًا من القتل، والزنديق بالعكس فإنه كان مخفيًا لكفره متستِّرًا به، فلم نؤاخذه بما في قلبه إذا لم يظهر عليه، فإذا ظهر على لسانه وَاخَذْناه به، فإذا رجع عنه لم يرجع عن أمر كان مُظهِرًا له غير خائف من إظهاره، وإنما رجع خوفًا من القتل.

وأيضًا فإن الله سبحانه سنَّ في عباده أنهم إذا رأوا بأسه لم ينفعهم الإسلام، وهذا إنما أسلم عند معاينة البأس، ولهذا لو جاءنا من تلقاء نفسه وأقرَّ بأنه قال كذا وكذا وهو تائب منه قبلنا توبته ولم نقتله.

وأيضًا فإن الله سبحانه سنَّ في المحاربين أنهم إن تابوا من قبل القدرة عليهم قُبلت توبتهم، ولا تنفعهم التوبة بعد القدرة عليهم، ومحاربة الزنديق للإسلام بلسانه أعظم من محاربة قاطع الطريق بيده وسنانه؛ فإن فتنة هذا في الأموال والأبدان, وفتنة الزنديق في القلوب والإيمان، فهو أولى أن لا تُقبل توبته بعد القدرة عليه، وهذا بخلاف الكافر الأصلي؛ فإن أمره كان معلومًا، وكان مُظهِرًا لكفره غير كاتمٍ له، والمسلمون قد أخذوا حِذرهم منه، وجاهروه بالعداوة والمحاربة.

وأيضًا فإن الزنديق هذا دأبه دائمًا، فلو قُبلت توبته لكان تسليطًا له على