للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تنازع الناس في الاستصحاب، ونحن نذكر أقسامه ومراتبها. فالاستصحاب: استفعال من الصحبة، وهي استدامة إثبات ما كان ثابتًا أو نفيِ ما كان منتفيًا (١). وهو ثلاثة أقسام: استصحابُ البراءة الأصلية، واستصحابُ الوصفِ المثبِت الحكمَ (٢) الشرعي حتى يثبُتَ خلافُه، واستصحابُ حكم الإجماع في محلِّ النزاع.

فأما النوع الأول فقد تنازع الناس فيه. فقالت طائفة من الفقهاء والأصوليين: إنه يصلح للدفع لا للإبقاء، كما قاله بعض الحنفية. ومعنى ذلك أنه يصلح لأن يُدفَع به من ادَّعى تغييرَ الحال، لا لإبقاءِ (٣) الأمر على ما كان، فإنَّ بقاءه على ما كان إنما هو مستند إلى موجب الحكم، لا إلى عدم المغيِّر له. فإذا [٢٠٥/أ] لم نجد دليلًا نافيًا ولا مثبِتًا أمسكنا، لا نُثبِت الحكم ولا ننفيه، بل ندفع بالاستصحاب دعوى من يُثبته (٤). فيكون حال المتمسِّك بالاستصحاب كحال المعترِض مع المستدِلّ، فهو يمنعه الدلالةَ حتى يُثبتها، لا أنه يقيم دليلًا على نفي ما ادَّعاه. وهذا غير حال المعارِض، فالمعارض لون والمعترض لون. فالمعترض يمنع دلالة الدليل، والمعارض يسلِّم دلالته ويقيم دليلًا على نقيضه.


(١) في النسخ المطبوعة: «منفيًّا».
(٢) في النسخ المطبوعة: «للحكم».
(٣) هكذا في جميع النسخ. وزيدت في المطبوع بين حاصرتين. وفي الطبعات التي سبقته: «تغيير الحال لإبقاء ... » بإسقاط لا النافية، وكذا في «جامع المسائل» (٢/ ٢٨٢)، والظاهر أن القراءة الصحيحة في هذه الصورة: «تغييرَ الحال، لا بَقاءَ ... ».
(٤) في النسخ المطبوعة: «أثبته».