للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإلا وكَلَه إليه، ولم يتكلّف ما لا علم له به، فهذا هو الواجب علينا في كتاب ربنا وسنة نبينا (١) وأقوال أصحابه، وقد جعل الله سبحانه فوق كل ذي علم عليمًا؛ فمن خفي عليه بعض الحق فوكَلَه إلى من هو أعلم منه فقد أصاب، فأيُّ شيء في هذا من الإعراض عن القرآن والسنن وآثار الصحابة، واتخاذِ رجلٍ بعينه معيارًا على ذلك، وتركِ النصوص لقوله وعرْضِها عليه، وقبولِ كل ما أفتى به وردِّ كل ما خالفه؟ وهذا الأثر نفسه من أكبر الحجج على بطلان التقليد، فإن أوله: «ما استبان لك فاعمَلْ به، وما اشتبه عليك فكِلْه إلى عالمه». ونحن نناشدكم الله إذا استبانت (٢) لكم السنة هل تتركون قولَ من قلَّدتموه لها وتعملوا بها وتفتوا أو تقضوا (٣) بموجبها، أم تتركونها وتعدِلون عنها إلى قوله وتقولون: هو أعلم بها منا؟ فأبيٌّ - رضي الله عنه - مع سائر الصحابة على هذه الوصية، وهي مبطِلة للتقليد قطعًا، وبالله التوفيق.

ثم نقول: هل وَكَلْتم ما اشتبه عليكم من المسائل إلى عالمها من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ هم أعلم الأمة وأفضلها؟ بل تركتم أقوالهم وعدلتم عنها، فإن كان من قلَّدتموه ممن يوكل ذلك إليه فالصحابة أحقُّ أن يوكل ذلك إليهم.

الوجه الخامس والخمسون: قولكم: «كان الصحابة يفتون ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيٌّ بين أظهرهم، وهذا تقليد للمستفتين (٤) لهم»، فجوابه أن فتواهم إنما


(١) ع: «نبيه».
(٢) د: «استبان».
(٣) كذا الأفعال الثلاثة بدون النون في د، ت.
(٤) ت: «للمفتين».