للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن لم تقم عليه الحجة لم يكن قد أنذر، كما أن النذير من أقام الحجة، فمن لم يأت بحجة فليس بنذير، فإن سميتم ذلك تقليدًا فليس الشأن في الأسماء، ونحن لا [٣٧/أ] ننكر التقليد بهذا المعنى، فسمُّوه ما شئتم، وإنما ننكر نصْبَ رجل معين يُجعل قوله عِيارًا على القرآن والسنن؛ فما وافق قولَه منها قُبِل وما خالفه لم يُقبَل، ويقبل قوله بغير حجة، ويُردّ قول نظيره أو أعلمَ منه والحجة معه، فهذا الذي أنكرناه، وكل عالم على وجه الأرض يعلن بإنكاره وذمه وذم أهله.

الوجه السابع والخمسون: قولكم: «إن ابن الزبير سئل عن الجد والإخوة فقال: أما الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذتُه خليلًا ــ يريد أبا بكر - رضي الله عنه - ــ فإنه أنزله أبًا» (١)، فأيّ شيء في هذا مما يدل على التقليد بوجه من الوجوه؟ وقد تقدم من الأدلة الشافية التي لا مطمع في دفعها ما يدل على أن قول الصديق في الجد أصحُّ الأقوال على الإطلاق، وابن الزبير لم يخبر بذلك تقليدًا، بل أضاف المذهب إلى الصديق لينبِّه على جلالة قائله، وأنه ممن (٢) لا يقاس غيره به، لا لِيُقبل قوله بغير حجة وتُترك الحجة من القرآن والسنة لقوله؛ فابن الزبير وغيره من الصحابة كانوا أتقى لله، وحجج الله وبيناته أحبّ إليهم من أن يتركوها لآراء الرجال أو لقول أحدٍ كائنًا من كان. وقول ابن الزبير: «إن الصديق أنزله أبًا» (٣) متضمن للحكم والدليل معًا.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) ع: «مما».
(٣) تقدم تخريجه.