للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهنا (١) للناس في الآية قولان:

أحدهما أن المعنى: «فهلّا نفرَ من كل فرقة طائفةٌ تتفقه وتنذر القاعدة»، فيكون المعنى في طلب العلم، وهذا قول الشافعي (٢) وجماعة من المفسّرين، واحتجوا به على قبول خبر الواحد؛ لأن الطائفة لا يجب أن تكون عدد التواتر.

والثاني أن المعنى: «فلولا نفر من كل فرقة طائفةٌ تجاهد لتتفقه القاعدةُ، وتُنذِر النافرةَ للجهاد إذا رجعوا إليهم، ويخبرونهم بما نزل بعدهم من الوحي» وهذا قول الأكثرين، وهو الصحيح (٣)؛ لأن النفير إنما هو الخروج للجهاد كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وإذا استُنفِرتم فانْفِروا» (٤). وأيضًا فإن المؤمنين عام في المقيمين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - والغائبين عنه، والمقيمون مرادون ولا بدَّ فإنهم سادات المؤمنين، فكيف لا يتناولهم اللفظ؟ وعلى قول أولئك يكون المؤمنون خاصًّا بالغائبين عنه فقط، والمعنى: وما كان المؤمنون لينفروا إليه كلهم، فلولا نفر إليه من كل فرقة منهم طائفة. وهذا خلاف ظاهر لفظ المؤمنين، وإخراجٌ للفظ النفير عن مفهومه في القرآن والسنة.

وعلى كلا القولين فليس في الآية ما يقتضي صحة القول بالتقليد المذموم، بل هي حجة على فساده وبطلانه؛ فإن الإنذار إنما يقوم بالحجة،


(١) ع: «وهناك».
(٢) انظر: «الرسالة» (ص ٣٦٥ - ٣٦٩).
(٣) انظر ترجيح هذا عند المؤلف في «بدائع الفوائد» (٤/ ١٦٣٦، ١٦٣٧). وقد ضعَّفه الطبري في «تفسيره» (١٢/ ٨٤، ٨٥).
(٤) رواه البخاري (١٨٣٤) ومسلم (١٣٥٣) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.