للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذ لا يليق أن يَقتُل بالنظرة والقبلة (١) ويقطعَ بسرقة الحبة والدينار.

وكذلك التفاوت بين العقوبات مع استواء الجرائم قبيح في الفِطَر والعقول، وكلاهما تأباه حكمةُ الربِّ تعالى وعدله وإحسانه إلى خلقه. فأوقع العقوبة تارةً بإتلاف النفس إذا انتهت الجناية في عظمها إلى غاية القبح، كالجناية على النفس أو الدين، أو الجناية التي ضررها عامٌّ. فالمفسدة التي في هذه العقوبة خاصَّة، والمصلحة الحاصلة بها أضعاف أضعاف تلك المفسدة، كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٩]. فلو لا القصاص لفسد العالم، [٣١١/ب] وأهلك الناسُ بعضُهم بعضًا ابتداءً واستيفاءً؛ فكان في القصاص دفعٌ (٢) لمفسدة التجرِّي (٣) على الدماء بالجناية وبالاستيفاء. وقد قالت العرب في جاهليتها: «القتل أنفى للقتل» (٤). وبسفك الدماء تُحقَن الدماء. فلم تُغسل النجاسة بالنجاسة، بل الجناية نجاسة، والقصاص طُهْرة. وإذا لم يكن بدٌّ من موت القاتل ومن استحقَّ القتل فموته بالسيف أنفع له في عاجلته وآجلته، والموت به أسرع الموتات وأوحاها (٥) وأقلُّها ألمًا. فموته به


(١) في النسخ الخطية: «الفعل»، والمثبت من النسخ المطبوعة.
(٢) في النسخ الخطية: «دفعًا»، وجعل في النسخ المطبوعة اسمًا لكأنَّ. ولا معنى هنا لكأنَّ، ويبدو لي أن «دفعًا» خطأ من النساخ إن لم يكن سهوًا من المؤلف. وقد سبق هذا الخطأ، وهو نصب اسم «كان» إذا كان خبرها المقدم شبه جملة. وهو من الأخطاء الشائعة الآن.
(٣) يعني: التجرُّؤ.
(٤) انظر مقال الرافعي في توثيق هذه الكلمة وتحليلها في «وحي القلم» (٢/ ٧٠ - ٨٧).
(٥) أي أسرعها.