للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وردَّ علمَ ما في أنفسهم إلى العليم بالسرائر سبحانه، المتفرد بعلم ذات الصدور وعلْمِ ما في النفوس من علم الغيب، وقد قال تعالى لرسوله: {لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام: ٥٠]، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إني لم أُومر أن أنقِّب عن قلوب الناس، ولا أشقّ بطونَهم» (١)، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابُهم على الله» (٢). فاكتفى منهم بالظاهر، ووكَلَ سرائرهم إلى الله، وكذلك فعل (٣) بالذين تخلَّفوا عنه واعتذروا إليه، قَبِلَ منهم علانيتهم، ووكَلَ سرائرهم إلى الله عز وجل. وكذلك كانت سيرته في المنافقين: قبول ظاهر إسلامهم، ويكِلُ سرائرهم إلى الله عز وجل، وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦]، ولم يجعل لنا علمًا بالنيات والمقاصد تتعلق الأحكام الدنيوية بها، فقولنا لا علم لنا به.

قال الشافعي (٤): فرض الله سبحانه على خلقه طاعة نبيه، ولم يجعل لهم من الأمر شيئًا، وأولَى أن لا يتعاطَوا حكمًا على غيب أحدٍ بدلالة ولا ظن؛ لقصور علمهم عن علم أنبيائه الذين فرض عليهم الوقوف عما ورد


(١) جزء من حديث رواه البخاري (٤٣٥١) ومسلم (١٠٦٤/ ١٤٤) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -
.
(٢) رواه البخاري (١٣٩٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. ورواه مسلم (٢١/ ٣٥) من حديث جابر - رضي الله عنه -.
(٣) «فعل» ليست في ز.
(٤) في «إبطال الاستحسان» ضمن كتاب «الأم» (٩/ ٥٩ وما بعدها).