للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم حتى يأتيهم أمره؛ فإنه عز وجل ظاهَرَ عليهم الحجج، فما جعل إليهم الحكم في الدنيا إلا بما ظهر من المحكوم عليه، ففَرضَ على نبيه أن يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا، فتُحْقَن دماؤهم إذا أظهروا الإسلام، وأَعلَمَ أنه لا يعلم صدقَهم بالإسلام إلا الله؛ ثم أطْلعَ الله رسولَه على قوم يظهرون الإسلام ويُسِرُّون غيره، ولم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام، ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا؛ فقال لنبيه: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤]، يعني أسلمنا بالقول مخافةَ القتل والسبي. ثم أخبر أنه يجزيهم إن أطاعوا الله ورسوله، يعني إن أحدثوا طاعة رسوله. وقال في المنافقين وهم صنفٌ ثانٍ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إلى قوله: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: ١ - ٢] يعني جُنةً من القتل، وقال: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ} [التوبة: ٩٥]، فأمر بقبول ما أظهروا، ولم يجعل لنبيه أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإيمان. وقد أَعلَم الله نبيه أنهم في الدرك الأسفل من النار؛ فجعل سبحانه حكْمَه عليهم على سرائرهم، وحكْمَ نبيه عليهم في الدنيا على علانيتهم: بإظهار التوبة، وما قامت عليه بينة من المسلمين بقوله، وبما أقروا بقوله، وما جحدوا من قول الكفر ما لم يقروا به ولم يقم به بينة عليهم (١)، وقد كذَّبهم في قولهم في كلّ ذلك، وكذلك أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله.

أخبرنا مالك (٢) عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن


(١) ز: «من عليهم».
(٢) في «الموطأ» (١/ ١٧١)، ومن طريقه الشافعي في «الأم» (٩/ ٦١). وعبيد الله بن عدي مختلف في صحبته، والحديث جاء موصولًا عند عبد الرزاق (١٨٦٨٨) وأحمد (٢٣٦٧٠)، وصححه ابن حبان (٥٩٧١) والألباني في «الثمر المستطاب» (١/ ٥٤).