للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال (١): وذكر الشيخ أبو محمد الجويني في «شرحه لرسالة الشافعي» عن شيخه أبي بكر القفال المروزي أنه يجوز لمن حفِظ مذهبَ صاحبِ مذهبٍ ونصوصَه أن يفتي به، وإن لم يكن عارفًا بغوامضه وحقائقه. وخالفه الشيخ أبو محمد وقال: لا يجوز أن يفتي بمذهب غيره إذا لم يكن متبِّحرًا فيه عالمًا بغوامضه وحقائقه، كما لا يجوز للعامِّي الذي جمع فتاوى المفتين أن يفتي بها. وإذا كان متبحِّرًا فيه جاز أن يفتي به.

وقال أبو عمرو (٢): من قال: لا يجوز له أن يفتي بذلك، معناه: لا يذكره في صورة ما يقوله من عند نفسه، بل يضيفه إلى غيره (٣)، ويحكيه عن إمامه الذي قلَّده. فعلى هذا من عددناه في أصناف المفتين المقلِّدين ليسوا على الحقيقة من المفتين، ولكنهم قاموا مقام المفتين، وأدَّوا عنهم، فعُدُّوا منهم. وسبيلهم في ذلك أن يقولوا مثلًا: مذهب الشافعي كذا وكذا، ومقتضى مذهبه كذا وكذا، وما أشبه ذلك. ومن ترك منهم إضافة ذلك إلى إمامه، فإن كان ذلك اكتفاءً منه بالمعلوم عن الصريح فلا بأس.

قلت: ما ذكره أبو عمرو حسن، إلا أن صاحب هذه المرتبة يحرُم عليه أن يقول: «مذهب [١٩٩/أ] الشافعي» لما لا يعلم أنه نصُّه الذي أفتى به، أو يكون شهرته بين أهل المذهب شهرةً لا يحتاج معها إلى الوقوف على نصِّه، كشهرة مذهبه في الجهر بالبسملة، والقنوت في الفجر، ووجوب تبييت النيَّة


(١) في النسخ المطبوعة: «وقال»، وهو خطأ. وانظر: «أدب المفتي» (ص ١٠٢) بعد الكلام السابق.
(٢) المصدر السابق (ص ١٠٣).
(٣) «إلى غيره» لم يرد في مصدر النقل.