فتأمَّلْ هذا التشبيه والتمثيل، وحسنَ موقعه، ومطابقةَ المعقول فيه المحسوسَ (١)، وتأمَّلْ إخبارَه عنهم بكراهة أكل لحم الأخ ميتًا، ووصفَهم بذلك في آخر الآية، والإنكارَ عليهم في أولها أن يحبَّ أحدُهم ذلك. فكما أن هذا مكروه في طباعهم، فكيف يحبُّون ما هو مثله ونظيره؟ فاحتجَّ عليهم بما كرهوه على ما أحبُّوه، وشبَّه لهم ما يحبُّونه بما هو أكره شيء إليهم، وهم أشدُّ شيء نفرةً عنه. فلهذا يوجب العقل والفطرة والحكمة أن يكونوا أشدَّ شيءٍ نفرةً عما هو نظيره ومشبهه. وبالله التوفيق.
فشبَّه تعالى أعمالَ الكفار في بطلانها وعدم الانتفاع بها برماد مرَّت عليه [١٠٠/أ] ريح شديدة في يوم عاصف، فشبَّه سبحانه أعمالَهم في حُبوطها وذهابها باطلًا كالهباء المنثور، لكونها على غير أساس من الإيمان والإحسان، وكونِها لغير الله عز وجل وعلى غير أمره= برمادٍ طيَّرته الريح العاصف، فلا يقدر صاحبُه على شيء منه وقتَ شدَّةِ حاجته إليه. فلذلك قال:{لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ}: لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من أعمالهم على شيء، فلا يرون له أثرًا من ثواب ولا فائدة نافعة، فإنَّ الله لا
(١) س، ت، ف: "للمحسوس"، وقد غيَّر بعضهم متن ح ليقرأ "للمحسوس".