للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هي معدومة، كما فيها النهي عن بيع بعض الأشياء الموجودة. فليست العلة في المنع لا العدم ولا الوجود، بل الذي وردت به السنة النهي عن بيع الغَرر، وهو ما لا يقدر على تسليمه، سواء كان موجودًا أو معدومًا، كبيع العبد الآبق والبعير الشارد وإن كان موجودًا؛ إذ موجب البيع تسليم المبيع، فإذا كان البائع عاجزًا عن تسليمه فهو غرر ومخاطرة وقمار، فإنه لا يباع إلا بوَكْس. فإن أمكن المشتري تسليمُه (١) كان قد قمَر البائعَ، وإن لم يمكنه ذلك قمَره البائعُ. وهكذا المعدوم الذي هو غرَر، نُهي عنه للغرر، لا للعدم؛ كما إذا باعه ما تحمل هذه الأمة أو هذه الشجرة، فالمبيع لا يُعرَف وجوده ولا قدره ولا صفته. وهذا من الميسر الذي حرَّمه الله ورسوله. ونظير هذا في الإجارة أن يُكريه دابة لا يقدر على تسليمها، سواء كانت موجودة أو معدومة. وكذلك في النكاح إذا زوَّجه أمةً لا يملكها، أو ابنةً لم تولد له. وكذلك سائر عقود المعاوضات، بخلاف الوصية فإنها تبرُّع محض، فلا غرر في تعلُّقها بالموجود والمعدوم، وما يقدر على تسليمه إليه وما لا يقدر. وطردُه الهبة، إذ لا محذور في ذلك فيها. وقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هبة المشاع المجهول في قوله لصاحب كُبَّة الشَّعر حين أخذها من المغنم، وسأله أن يهبها له، فقال: «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك» (٢).

الوجه الثاني: أن نقول: [٢٥٠/ب] بل الشرع صحَّح بيعَ المعدوم في


(١) في النسخ المطبوعة: «تسلُّمه». ويصح ما جاء في النسخ الخطية على أن يكون المصدر في المعنى مجهولًا.
(٢) رواه أحمد (٦٧٢٩، ٧٠٣٧)، وأبو داود (٢٦٩٤)، والنسائي (٣٦٨٨) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا .. وحسّنه ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (٤/ ٢١٤).