وشاهدوه على الإحياء الذي استبعدوه. وذلك قياس إحياء على إحياء، واعتبار الشيء بنظيره. والعلَّةُ الموجبةُ هي عموم قدرته سبحانه، وكمال حكمته. وإحياءُ الأرض دليلُ العلة.
ومنه: قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}[الروم: ١٩]. فدلَّ بالنظير على النظير، وقرَّبَ أحدَهما من الآخر جدًّا بلفظ الإخراج. أي يخرجون من الأرض أحياءً، كما يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي.
فبيَّن سبحانه كيفيةَ الخلق واختلافَ أحوال الماء في الرحم إلى أن صار منه الزوجان الذكر والأنثى، وذلك أمارةُ وجود صانع قادر على ما يشاء. ونبَّه سبحانه عبادَه بما أحدثه في النطفة المهينة الحقيرة من الأطوار، وسَوْقِها في مراتب الكمال من مرتبة إلى مرتبة أعلى منها، حتى صارت بشرًا سويًّا في أحسن خِلقة (١) وتقويم= على أنه لا يحسُن به أن يترك هذا البشر سُدًى مهملًا معطَّلًا، لا يأمره ولا ينهاه، ولا يقيمه في عبوديته. وقد ساقه في [٨٠/ب] مراتب الكمال من حين كان نطفةً إلى أن صار بشرًا سويًّا، فكذلك يسوقه في مراتب كماله طَبقًا بعد طبق، وحالًا بعد حال، إلى أن يصير جارَه في داره يتمتَّع بأنواع النعيم، وينظر إلى وجهه، ويسمع كلامه.