للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محارمَ الله بأدنى الحيل» (١).

وقد أخبر سبحانه أنه جعل هذه القرية أو هذه الفعلة التي فعلها بأهلها نكالًا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين، فحقيقٌ بمن اتقى الله وخاف نكالَه أن يحذر استحلال محارم الله بأنواع المكر والاحتيال، وأن يعلم أنه لا يخلِّصه من الله ما أظهره مكرًا وخديعة من الأقوال والأفعال، وأن يعلم أن لله يومًا تَكِعُّ (٢) فيه الرجال، وتُنْسَف فيه الجبال، وتترادف فيه الأهوال، وتشهد فيه الجوارح والأوصال، وتُبلى فيه السرائر، وتظهر فيه الضمائر، ويصير الباطن فيه ظاهرًا، [٥٥/أ] والسرّ علانية، والمستور مكشوفًا، والمجهول معروفًا، ويُحصَّل ويبدو ما في الصدور، كما يُبعثر ويخرج ما في القبور، وتجري أحكام الرب جلَّ جلاله هنالك على القصود والنيات، كما جرت أحكامه في هذه الدار على ظواهر الأقوال والحركات، يوم تبيضُّ وجوهٌ بما في قلوب أصحابها من النصيحة لله ورسوله وكتابه وما فيها من البرّ والصدق والإخلاص للكبير المتعال، وتسودُّ وجوه بما في قلوب أصحابها من الخديعة والغشّ والكذب والمكر والاحتيال، هنالك يعلم المخادعون أنهم لأنفسهم كانوا يخدعون، وبدينهم كانوا يلعبون، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون.


(١) رواه ابن بطة في «إبطال الحيل» (ص ١٠٤، ١٠٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. والحديث حسّن إسناده ابن تيمية في «بيان الدليل» (ص ٥٣) و «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ٢٩)، وكذلك المصنف في «إغاثة اللهفان» (١/ ٥٩٦) وابن كثيرفي «التفسير» (٣/ ٤٩٣).
(٢) أي تجبُن وتضعف.