للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: ٢٨]. أفلا تراه كيف ذكَّر العقول ونبَّه الفِطَر بما أودع فيها من إعطاء النظير حكم نظيره، وعدم التسوية بين الشيء ومخالفه في الحكم؟

وكلُّ هذا من الميزان الذي أنزله الله مع كتابه، وجعله قرينه ووزيره، فقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} [الشورى: ١٧]، وقال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥]. وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: ١ - ٢] فهذا الكتاب، ثم قال: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن: ٧]. والميزان يراد به العدل، والآلة التي يُعرَف بها العدل وما يضادُّه. والقياس الصحيح هو الميزان، فالأَولى تسميته بالاسم الذي سمَّاه الله به، فإنه يدل على العدل. وهو اسمُ مدحٍ واجب على كلِّ أحد (١) في كلِّ حال بحسب الإمكان، بخلاف اسم القياس فإنه ينقسم إلى حق وباطل، وممدوح ومذموم.

ولهذا لم يجئ في القرآن مدحه ولا ذمه، ولا الأمر به ولا النهي عنه، فإنه موردُ تقسيم إلى صحيح وفاسد.

والصحيح هو الميزان الذي أنزله مع [٧٧/أ] كتابه. والفاسد ما يضادُّه كقياس الذين قاسوا البيعَ على الربا بجامع ما يشتركان فيه من التراضي بالمعاوضة المالية، وقياس الذين قاسوا الميتة على الذكيِّ (٢) في جواز أكلها بجامع ما يشتركان من إزهاق الروح: هذا بسبب من الآدميين وهذا بفعل الله.


(١) في النسخ المطبوعة: "واحد".
(٢) في النسخ المطبوعة: "المذكَّى". وهما بمعنًى، وقد مرَّ من قبل.