أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف: ٢٤ - ٢٦]. فتأمَّلْ قوله:{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} كيف تجد المعنى أنَّ حكمَكم حكمُهم، وأنّا إذا كنّا قد أهلكناهم بمعصيةِ رسلنا، ولم يدفع عنهم ما مُكِّنوا فيه من أسباب العيش؛ فأنتم كذلك، تسويةً بين المتماثلين، وإنَّ هذا محضُ عدل الله بين عباده.
ومن ذلك: قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا}[محمد: ١٠]، فأخبر أنَّ حكمَ الشيء حكمُ مثله. وكذلك كلُّ موضعٍ أمَر الله سبحانه فيه بالسَّير في الأرض، سواء كان السيرَ الحِسِّيَّ على الأقدام والدوابِّ، أو السَّير المعنوي بالتفكُّر والاعتبار، أو كان اللفظ يعمُّهما وهو الصواب= فإنه يدل على الاعتبار والحذر أن يحِلَّ بالمخاطبين ما حلَّ بأولئك. ولهذا أمر سبحانه أولي الأبصار بالاعتبار بما حلَّ بالمكذِّبين، ولولا أنَّ حكمَ النظير حكمُ نظيره حتى يعبر العقل (١) منه إليه لما حصل الاعتبار.
[٧٦/ب] وقد نفى الله سبحانه عن حُكمه وحِكمته التسويةَ بين المختلفَين في الحكم، فقال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: ٣٥ - ٣٦]، فأخبر أنَّ هذا حكم باطل في الفِطَر والعقول، لا تليق نسبته إليه سبحانه. وقال:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية: ٢١]. وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ