للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأثرين على الآخر، وقياس الفرق هو استدلالٌ (١) بانتفاء أحد الأثرين على انتفاء الآخر، أو بانتفاء اللازم على انتفاء ملزومه. فلو جاز التفريق بين المتماثلين لانسدَّت طرق الاستدلال، وغُلِّقت أبوابه.

قالوا: وأما الاستدلال بالمعيَّن على العامِّ، فلا يتم إلا بالتسوية بين المتماثلين؛ إذ لو جاز الفرق لما كان هذا المعيَّن دليلًا على الأمر العامِّ المشترك بين الأفراد. ومن هذا أدلَّة القرآن بتعذيب المعيَّنين الذين عذَّبهم على تكذيب رسله وعصيان أمره على أن هذا الحكم عامٌّ شامل لكلِّ من سلك سبيلهم واتصف بصفتهم. وهو سبحانه قد نبَّه عباده على نفس هذا الاستدلال، وتعدية هذا الخصوص إلى العموم، كما قال تعالى عقيبَ إخباره عن عقوبات الأمم المكذِّبة لرسلهم وما حلَّ بهم: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [القمر: ٤٣]. فهذا محض تعدية الحكم إلى من عدا المذكورين بعموم العلة، وإلا (٢) فلو لم يكن حكمُ الشيء حكمَ مثلِه لما لزمت [٧٦/أ] التعدية، ولا تمَّت الحجة.

ومثل هذا قوله تعالى عقيبَ إخباره عن عقوبة قوم عاد حين رأوا العارض في السماء، فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}، فقال تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} ثم قال: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا


(١) في المطبوع: "الاستدلال".
(٢) "وإلا" ساقط من ع.