للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضرَب الأمثال، وصرَّفها في الأنواع المختلفة. وكلُّها أقيسة عقلية ينبِّه بها عبادَه على أنَّ حُكمَ الشيء حكمُ مثله، فإن الأمثال كلَّها قياسات يُعلم منها حكمُ الممثَّل من الممثَّل به. وقد اشتمل القرآن على بضعة وأربعين مثلًا تتضمَّن تشبيه الشيء بنظيره والتسوية بينهما في الحكم. وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: ٤٣]. فالقياس وضرب الأمثال من خاصِّيَّة (١) العقل، وقد ركز الله في فِطَر الناس وعقولهم التسويةَ بين المتماثلَين وإنكارَ التفريق بينهما، والفرقَ بين المختلفَين وإنكارَ الجمع بينهما.

قالوا: ومدار الاستدلال جميعه على التسوية بين المتماثلَين والفرق بين المختلَفين. فإنه إما استدلالٌ بمعيَّن على معيَّن، أو بمعيَّن على عامٍّ، أو بعامٍّ على معيَّن، أو بعامٍّ على عامٍّ. فهذه الأربعة هي مجامع ضروب الاستدلال.

فالاستدلال بالمعيَّن على المعيَّن هو الاستدلال [٧٥/ب] بالملزوم على لازمه، فكلُّ ملزوم دليل على لازمه. فإن كان التلازم من الجانبين كان كلٌّ منهما دليلًا على الآخر ومدلولًا له.

وهذا النوع ثلاثة أقسام: أحدها: الاستدلال بالمؤثِّر على الأثر. والثاني: الاستدلال بالأثر على المؤثر. والثالث: الاستدلال بأحد الأثرين على الآخر. فالأول كالاستدلال بالنار على الحريق، والثاني كالاستدلال بالحريق على النار، والثالث كالاستدلال بالحريق على الدخان؛ ومدارُ ذلك كلِّه على التلازم. فالتسوية بين المتماثلين هو استدلالٌ (٢) بثبوت أحد


(١) في النسخ المطبوعة: "خاصة".
(٢) ع: "الاستدلال" وكذا في المطبوع.