للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} (١) [الطور: ٢١]. لما أخبر سبحانه بإلحاق الذرّية ــ ولا عمل لهم ــ بآبائهم في الدرجة، فربما توهَّم متوهِّمٌ أن يحطَّ الآباء إلى درجة الذريّة، فرفع هذا التوهم بقوله: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} أي ما نقصنا من الآباء شيئًا من أجور أعمالهم، بل رفعنا ذريتهم إلى درجتهم، ولم نحطَّهم إلى درجتهم بنقص أجورهم. ولما كان الوهم قد يذهب إلى أنه يفعل ذلك بأهل النار، كما يفعله بأهل الجنة، قطع هذا الوهم بقوله تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: ٢١] (٢).

ومن هذا: قوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل: ٩١]. فلما كان ذكرُ ربوبية (٣) البلدة الحرام قد يُوهِم الاختصاصَ عقَّبه بقوله: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ}.

ومن ذلك: قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: ٣]. فلما ذكر كفايته للمتوكِّل عليه، فربما أوهم ذلك تعجيلَ الكفاية وقتَ التوكل، فعقَّبه بقوله: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} أي وقتًا لا يتعدَّاه، فهو يسوقه إلى وقته الذي قدَّره له. فلا


(١) في النسخ الثلاث في الآية {وأتبعناهم ذرياتهم} ثم {بهم ذرياتهم}، وهي قراءة أبي عمرو. انظر: «الإقناع» لابن الباذش (٢/ ٧٧٣).
(٢) وانظر أيضًا: «أحكام أهل الذمة» (٢/ ١١٠٩) و «التبيان» (ص ٤٢١) و «الصواعق» (١/ ٣٩٢).
(٣) في النسخ المطبوعة: «ربوبيته».