للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأمَّلْ كيف أتبع الجملة الأولى بالثانية رفعًا لتوهُّم إهدار دماء الكفار مطلقًا، وإن كانوا في عهدهم. فإنه لما قال: «لا يُقتَل مؤمن بكافر» فربما ذهب الوهم إلى أن دماءهم هدَرٌ، ولهذا لو قتل أحدَهم مسلمٌ لم يُقتَل به، فرفع هذا التوهُّمَ بقوله: «ولا ذو عهد في عهده». ولقد خفيت هذه اللطيفة الحسنة على من قال: يُقتَل المسلمُ بالكافر المعاهد، وقدَّر في الحديث: ولا ذو عهد في عهده بكافر (١).

ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلُّوا إليها» (٢). فلما كان نهيُه عن الجلوس عليها نوعَ تعظيمٍ لها عقَّبه بالنهي عن المبالغة في تعظيمها حتى تُجعَل قبلة (٣).

وهذا بعينه مشتقٌّ من القرآن، كقوله تعالى لنساء نبيِّه: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: ٣٢]. فنهاهن عن الخضوع بالقول، فربما ذهب الوهم إلى الإذن في الإغلاظ في القول والتجاوز، فرفَع هذا التوهُّمَ بقوله: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (٤).

ومن ذلك: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ [١٨٧/ب] آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ


(١) وانظر أيضًا ما يأتي في فتاوى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) ذكر هذا المعنى مرة أخرى في فتاوى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٤) نبَّه على هذا المعنى في «الصواعق المرسلة» (١/ ٣٩٣) أيضًا.