للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنزله على رسوله بمنزلة الأنعام، وأمر بطاعة أولي الأمر إذا كانت طاعتهم طاعةً لرسوله بأن يكونوا متبعين لأمره مخبرين به، وأقسم بنفسه سبحانه أنّا لا نؤمن حتى نُحكِّم الرسول خاصة فيما شجر بيننا لا نحكِّم غيرَه، ثم لا نجد في أنفسنا حرجًا مما حكم به، كما يجده المقلدون إذا جاء حكمه خلاف قول من قلَّدوه، وأن نسلِّم لحكمه تسليمًا (١)، كما يسلِّم المقلدون لأقوال من قلَّدوه، بل تسليمًا أعظم من تسليمهم وأكمل، والله المستعان. وذمَّ من حاكمَ إلى غير الرسول، وهذا كما أنه ثابت في حياته فهو ثابت بعد مماته، فلو كان حيًّا بين أظهرنا وتحاكمنا إلى غيره لكنّا من أهل الذم والوعيد؛ فسنته وما جاء به من الهدى ودين الحق لم يمت، وإن فُقِد من بين الأمة شخصُه الكريم فلم يُفقَد من بينها سنته ودعوته وهَدْيه، والعلم والإيمان بحمد الله مكانَهما، من ابتغاهما وجدهما.

وقد ضمن الله سبحانه حفْظَ الذكر الذي أنزله [٤٦/ب] على رسوله؛ فلا يزال محفوظًا بحفظ الله مَحميًّا بحمايته لتقوم حجة الله على العباد قرنًا بعد قرن؛ إذ كان نبيهم آخر الأنبياء ولا نبيَّ بعده؛ فكان حفظه لدينه وما أنزله على رسوله مُغنِيًا عن رسول آخر بعد خاتم الرسل. والذي أوجبه الله سبحانه وفرضه على الصحابة من تلقِّي العلم والهدى من القرآن والسنة دون غيرهما هو بعينه واجب على من بعدهم، وهو محكم لم يُنسخ، ولا يتطرَّق إليه النسخ حتى ينسخ الله العالَم ويطوي الدنيا.

وقد ذمّ الله تعالى من إذا دُعي إلى ما أنزل الله وإلى رسوله صدَّ وأعرض، وحذّره أن تصيبه مصيبة بإعراضه عن ذلك في قلبه ودينه ودنياه،


(١) «تسليما» ليست في د.